18 - 05 - 2025

مؤشرات | حالة حوار لمواجهة مخاطر الأزمة .. متى؟

مؤشرات | حالة حوار لمواجهة مخاطر الأزمة .. متى؟

كشفت الأزمات التي تسببت فيها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الإقتصاد الوطني عن أهمية الدعوة لمؤتمر إقتصادي تشارك فيه كل الأطراف والطوائف ، والتيارت السياسية ، والإقتصاديون من مختلف الرؤي والمدارس ، لوضع روشتة أو خارطة طريق لرسم مسار جديد للإقتصاد الوطني ، بعيدا عن الإغراق في قضية الإستدانة ، وحل الأزمات بالدين المحلي والخارجي.

فلا شك أن المشاركة الوطنية الأوسع أحد أهم أبواب البحث عن زوايا الأزمات الإقتصادية والسياسية ، كما من المهم أيضا أن يقدم البرلمان رؤيته من خلال قراءات للواقع الذي نحياه وتتضرر منه كل دول العالم ، ولسنا وحدنا ، فالأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا عرّت الكثير من الإقتصاديات في دول العالم ، وكثير من الدول تعاني معاناة كبيرة من تداعياتها ، وهو ما يتطلب مشاركات جماعية في البحث والتنقيب بدقة في كل النقاط والمفردات وصولا لحلول أكثر شمولية ، ويتحمل الجميع مسؤوليته.

الحوار من طرف واحد في قضايا مصرية في الأغلب لا يلبي طموحات كل أطياف المجتمع ، ولا يمتلك طرف واحد كل الحقيقة ، فنحن بصدد أزمة عالمية ، متعددة المسارات والأسباب ، ولا تقل عن الأزمة الإقتصادية التي مر بها العالم في  2008 ، والأزمات الأخرى التي اجتاحت العالم في السنوات الخمسين الأخيرة ، وخرج منها خاسرا ومهزوما ومحملا بقضايا كسّرت عظام دول.

الإجتماعات المنفصلة التي بدأتها الحكومة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي مع بعض الشرائح والشركاء للدولة وأصحاب المصلحة من المهم أن تتوج بإجتماع أكثر توسعا مع أطياف المجتمع ، لنخرج بخارطة طريق تحمل في مضمونها حلولا تعبر عن مصالح كل الوطن وليس مجرد فئة أو شريحة ، أو جزء من أصحاب المصلحة ، والتي يعبر عنها كل طرف ، دون النظر لباقي الأطراف ، والمواطن الذي يمثل المحور الرئيسي في تحمّل تداعيات الأزمات بمختلف أنواعها.

ولاحظت من كلمات وتوصيات رجال الأعمال والمستثمرين في اجتماعاتهم مؤخرا مع رئيس الوزراء ، هذه المطالب الفئوية ، ورغم أهميتها إلا أنها تعبر عن طرف واحد من أصحاب المصلحة ، بينما ما زال البرلمان الممثل للشعب شبه غائب عن وضع رؤية لمرحلة مهمة من تاريخ مصر والمنطقة وتاريخ دول أخرى.

في اجتماع الحكومة المصرية مع رجال أعمال ومستثمرين ، لمناقشة آثار تداعيات أزمة الاقتصاد العالمي والحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري ، طرح رجال الأعمال مقترحات ، بل قل مطالب تعبر عن أنفسهم ومصالحهم ، أبرزها إعادة جدولة أقساط الأراضي وزيادة مدة تنفيذ المشروعات ، لمواجهة أزمة السيولة ، وتسهيل إجراءات استيراد مواد البناء لزيادة المعروض في الأسواق ، وإعادة دراسة التعاقدات مع الجهات الحكومية لتراعي أثر ارتفاع الأسعار.

وعلى مدى حوالي شهر جرت عدة اجتماعات بين الحكومة ووزراء فيها ، وجماعات مصالح بينهم المطورون العقاريون وجمعية رجال الأعمال المصريين ، والجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال ، وتمحورت مذكرة رجال الأعمال بشأن التحديات التي تواجه القطاع العقاري ، ارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة تأثير تداعيات الاقتصاد العالمي على أسعار مواد البناء ، نتيجة ارتفاع أسعار المعادن عالميا وتأثر سلاسل الإمداد والإنتاج.

وشملت المذكرة 20 توصية للتعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية ، من أجل العمل على تخفيف حدة آثارها على الاقتصاد المصري في أنشطة اقتصادية مختلفة ، بضرورة حماية الشركات الوطنية والتعاقدات المحلية من العقوبات أو أية إجراءات يتم اتخاذها خلال الوضع العالمي الراهن ، خاصة في ظل تعطل أو تأخر سلاسل الإمداد.

ونلاحظ أن رجال الأعمال ركزوا على مصالحهم أولا وأخيرا، وهذا حقهم في ظل أزمة تعصف بالجميع، فقد طالبوا بثلاثة مطالب رئيسية ، بخلاف مطالب أخرى ، وهي "ضرورة إعادة جدولة أقساط الأراضي وزيادة مدة تنفيذ المشروعات ، لمواجهة أزمة السيولة" ، و"تفعيل دور الأجهزة الرقابية في مراقبة أي ممارسات احتكارية في الأسمنت بعد تخفيض مصانع إنتاجها لتقليل المعروض في الأسواق وبالتالي زيادة السعر" ، و"تسهيل فتح اعتمادات لاستيراد الحديد من الخارج ، وإلغاء رسوم استيراد البليت من الخارج وهو المكون الرئيسي في صناعة الحديد لزيادة المعروض".

صحيح أن رئيس الوزراء قرر تشكيل لجنة برئاسة وزير الإسكان عاصم الجزار مهمتها عقد اجتماعات مع المطورين العقاريين ، للتوافق على عدد من الآليات للتعامل مع تداعيات الأزمة العالمية ، وتخفيف حدتها ، إلا أن هذا يتطلب رؤية وحوارا أكثر اتساعا، فهناك الطرف النهائي والأضعف في حلقة سلسلة الإستهلاك والإنتفاع ، وهو المواطن.

فالأنشطة الاقتصادية تعاني من ارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة ما تشهده سلاسل التوريد والإمداد من اضطرابات غير مسبوقة وارتفاع تكاليف الشحن نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية ، والكل متضرر من ذلك ، ولا يمكن أن ننكر أن الشركات العاملة في التطوير العقاري ، مهددة بعدم الوفاء بتعاقداتها ، وتواجه سحب الأراضي نتيجة عدم الالتزام ببرامج التطوير والتنفيذ ، ولكن اختصار مطلبهم في مهلة لتنفيذ المشروعات وإعادة دراسة العقود مع الجهات الحكومية لمراجعة أثر ارتفاع أسعار كافة المنتجات ، ليس كل القضية ، بل يجب أن ننظر للأمر كلة ومن مختلف زواياه ، والقطاعات الأخرى ، وليس فقط بالتدخل الحكومي لزيادة المعروض من مواد البناء.

فتعظيم الإنتاج المحلي أهم محور في مواجهة الأزمات التي تواجه المجتمع، لنضع حلا طويل الأمد ومستداما لجميع السلع والخدمات : فمواد البناء ليست إلا مجرد نموذج واحد ومحدود جدا في مجمل السلع .. وقد آن الأوان لحوار مجتمعي أوسع ، ومؤتمر نستمع فيه لبعضنا البعض ، خصوصا من المتخصصين ، وأصحاب الرؤي الإقتصادية والإجتماعية ، فالوطن بحاجة للجميع.. أتمنى أن يكون قريبا ولا نتأخر.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود